Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
PHILOSOPHIE ARABE
19 novembre 2010

تحرير الأستاذ: خالد كلبوسي. القيروان 27 ـ 5 ـ 20

تحرير الأستاذ: خالد كلبوسي. القيروان 27 ـ 5 ـ 20

هل تتحقّق الحرّية بمعزل عن الآخرين؟      

يراود حلم الحرّية مشاعر وعقول الملايين في كلّ الأوقات، إنّها المنسيّ الّذي لا يُنسى والرّجاء المطلق حين يخيب الرّجاء. كم من إنسان واجه آلة الطغيان الجبّارة من أجل الحرّية بل قد « نجد مُدنا بأكملها هلكت من أجل حرّية مزعومة ». ونحن يمكن أن نتخيّل أنّات الإنسانية المُقيّدة الطامحة لنيل الحرّية بأيّ ثمن مهما كان. غير أنّه يمكن الزّعم بأنَّ الوعي الحادّ بقيمة الحرّية يُمثّل ميزة الأزمنة الحديثة بلغة هيغل، وفعلا إنّ العصر الحديث هو الذي رفع شعار الحرّية و سعى إلى تحقيقها فعليًّا في الواقع حيث يمكن القول إنّ الإنسانية بدأت صناعة تاريخها فعلا. وإنّ من مظاهر الوعي بقيمة الحرّية نُموّ ما يُعرف بالنزعة الفردية حيث يسطع نجم الفرد لأوّل مرّة في سماء الحداثة الساعية إلى التخلّص من كلّ وصاية بكلّ ما أوتيت من جهد وشجاعة. فهل إنّ ارتباط الحرّية بالنزعة الفردية يفترض أنّ المجموعة تُمثّل عائقا يحول دون تحقيق الفرد لذاته وبالتّالي لحرّيته؟ هل يمكن أن يُحلّق الفرد حرّا بعيدا عن المجتمع ؟ ألا يُمثّل الآخرون شرطا أنطولوجيا لتحقيق الحرّية مهما كانت علاقة الأنا بهم؟
يرتبط معنى الحرّية بالفعل الإنسانيّ بما هو فعل إرادي. إذ لا قيمة للحرّية إن لم تمتزج بنبض الحياة المتدفّق في كلّ الاتّجاهات. إنّها تستبعد وتصارع كلّ إلزام سلطوي يُفرض على الأنا من الخارج سواء كان مصدره بشريا أو غيبيا. و لهذا يبدو أنّ تحقّق الحرّية رهين استبعاد الآخر في صيغة الجمع، ذلك أنّ الفرد يولد وينشأ داخل فضاء اجتماعي يُوجّه سلوكه وتفكيره منذ الطّفولة حتّى أنّه يمكن القول إنّ الفرد يعيش داخل المجتمع دون تفرّد دون خاصيات فردية يختارها هو لنفسه. ولهذا يتحدّث البعض أنّ الفرد لا يولد حين يولد إنّما يولد حين يبدأ هو نفسه الاختيار، إنّ الولادة البيولوجية قدر بينما الولادة الوجودية اختيار. الآخر هو قبل كلّ شيء ما ليس أنا. يحوّلني ظهور الآخر في العالم إلى مجرّد موضوع نكرة، شيء من الأشياء، يسلبني إنّيتي على نحو ما بيّن ذلك سارتر في" كتابه الوجود والعدم" عندما حلّل نظرة الآخر إلى الأشياء أوّلا وإلى الأنا ثانيا. فلنتصوّر مع سارتر أنّني أجلس" في حديقة عمومية وغير بعيد مني يمتدّ بساط من الخضرة وعلى طول هذا البساط كرسي، يمرّ إنسان بالقرب من الكرسيّ" . ينظر الأنا إلى الأشياء محوّلا إيّاها إلى موضوعات لنظرته ( ما يُمثّل الأشياء هنا بساط من الخضرة، كرسي…) وهي ما يُشكّل عالمه في تلك اللحظة ولاحقا ينضاف إليها الشخص اّذي يمرّ بالقرب من الكرسيّ. غير أنّ الأنا سرعان ما يدرك أنّ الشخص الذي حوّلته نظرته إلى موضوع ينظر هو إلى الأشياء مثله. عند ذلك يشعر أنّ هذا الآخر "يسرق" منه عالمه في مرحلة أولى يقول سارتر:"إن ظهور الغير يشكّل انسحابا متحجّرا للعالم كلّه." وفي مرحلة ثانية يسرق منه ذاته عندما ينظر إليه مثلما ينظر إلى بقية الموضوعات. لذلك يقول سارتر"أخجل من نفسي كما أظهر للآخرين". ذلك أنّ الآخر ينظر إليّ كما ينظر إلى أي شيء من الأشياء وهكذا يكون "الآخر هو الجحيم". ينتج عن ذلك صراع مرير بين الأنا والآخر بين الفرد والمجتمع لا يستطيع تجاوزه إلاّ عبر النّفي أي التّمرد على الحشد أو القطيع على حدّ عبارة نيتشه. هاهنا يمكن لنا كذلك أن نستعين في تحليل علاقة الأنا بالآخر بجدلية السيد والعبد الهيغلية حيث يصفها هيغل بأنها "صراع من أجل الحياة أو الموت". عند هذه الفكرة يلتقي سارتر مع ألبير كامو Camus الّذي يعتبر التمرّد ميزة العالم الحديث بما يحتويه ذلك من حرّية والتزام. فإذا كان لا بدّ من قدر، فقدر الإنسان أن يكون حرّا، يحمل حرّيته على كاهله بما تعنيه من مسؤولية وليس بما تعنيه من أثقال، هي هو وهو هي، لا فرق. لكن هذه الحرّية لا يفوز بها إلاّ الجسور ذلك الذي يملك روح التّمرّد الخلاّق وليس "التمرد "العامّي المبتذل.
لئن كانت علاقة الأنا بالآخرين يحكمها الصّراع المرّ من أجل الحرّية، فهذا لا يعني أبدا أنّ الفرد يمكن أن يوجد بمعزل عن الآخرين اللهمّ إلاّ ضمن تصوّر موغل في المثالية وهو ما اصطلح على تسميته بـالأنانة le solipsisme على غرار التّصور الدّيكارتي. ذلك أنّ الفرد لا يكون فردا إلاّ بالنسبة للمجتمع و الأنا لا يكون "أنا" إلاّ بالنسبة للآخرين. والآن إذا كان لا بدّ من الاجتماع فكيف السبيل إلى تحقيق الحرّية؟ يعلم الجميع أنّ الإنسان لا يستطيع تحصيل معاشه بلغة ابن خلدون إلاّ بمساعدة الآخرين من بني جنسه، أي عن طريق العمل. فالعمل هو الذي يحرّر الإنسان من عبودية الضّرورة. ورغم أنّ النظام الرأسمالي الحديث يجعل العمل مغتربا، فإنّه يفتح الباب دون قصد أمام العامل ليتخلّص ليس من عبودية للطبيعة فحسب بل من عبودية الإنسان للإنسان. حيث بإمكان اتّحاد العمّال فيما بينهم أن يجعل الإنسانية تدخل تاريخها الحقيقيّ وذلك بتجاوز النظام الرأسمالي نفسه كما دعا إلى ذلك ماركس أو على الأقل بالتأسيس لمجتمع عادل كما يتصوّره جان راولس في نظريته للعدالة القائمة على مبدأي الحرّية للجميع من جهة وتكافؤ الفرص من جهة أخرى. غير أنّ اجتماعية الإنسان لا تختزل في التعاون على تحصيل الرّزق، بل تفترض كذلك الاشتراك في إدارة الشأن العامّ أي ما يُسمّى الوجود السّياسي. يلاحظ روسو في بداية كتابه "العقد الاجتماعي أنّ" الإنسان ولد حرّا لكنّه مكبّل بالأغلال حيثما وجد." إنّما الأغلال هنا هي قيود المجتمع كخيوط العنكبوت تفوح منها رائحة الموت. غير أنّ ذلك لا يعني أبدا أنّ بإمكان الإنسان أنّ يتخلّص من الاجتماع، إنّما يدفعنا ذلك إلى البحث عن حلّ ممكن لمشكل الحرية. والحلّ هنا ليس في العزلة إنّما الحلّ في إنشاء دولة القانون. ويعني ذلك القوانين التي يختارها الشعب لنفسه بنفسه وليست القوانين التي يخترعها البعض ليستعبدوا البعض الآخر. فأن يشارك المواطن في إنشاء قوانين يلتزم بها لا يتناقض مع حقّه الطبيعيّ في الحرية، هاهنا تتمثّل الحرّية في أن يطيع المواطن القوانين لا أن يخضع إلى إرادة سيّد مزعوم يُرغم الرّعية على تنفيذ أوامره لحساب مصلحته الشخصية لا المصلحة العامة، يقول منتسكيو في هذا السياق:"الحرية تتمثّل في فعل كلّ ما تسمح به القوانين." إنّ فكرة مشاركة المواطن في إنشاء القوانين في المجال السياسي هي التي تجد كفؤا لها في فكرة التشريع الذاتي للإرادة في المجال الأخلاقي لدى كانط، حيث أنّ الإرادة الخيّرة هي التي تصوغ بنفسها الواجب الذي يلتزم به الإنسان، إنّ الإنسان مع روسو وكانط هو الذي ينشىء القاعدة ويلتزم بها و بذلك يحقّق حريته. وبيّن أنّ القاعدة سواء في المجال السياسي أو المجال الأخلاقي ليست قاعدة خاصّة بفرد معزول عن الآخرين إنّما قاعدة موجّهة لسلوك الأفراد داخل المجتمع. وهكذا فإنّ الآخرين يمكن أن يساعدوا الأنا على تحقيق الحرّية. لكن من الممكن هنا أن نتحدّث عن شروط إمكان نظريه مثالية في حين أنّ المطلوب التحقّق الفعلي للحرّية. عند هذه النّقطة علينا أن ننظر إلى الحرّية باعتبارها جهدا وكسبا منحوتا فهي ليست معطى إنّما هي مهمّة تاريخية. جهد جماعي ما ينفكّ يحرّك التاريخ الإنساني حيث لا تستبعد الحرّية الضرورة، فالإنسان يتخلّص من عبودية الضرورة الطبيعية والتاريخية ليس بتجاهلها إنّما بمعرفة القوانين الطبيعية والتّاريخية واستغلالها لصالحه على نحو ما نستغلّ معارفنا العلمية في تلبية حاجاتنا. غير أنّ الحرّية لا تظهر في العلم فقط. بل لعلّ الفنّ هو أشدّ التعبيرات الإنسانية عمقا عن الحرّية الخلاّقة حيث فرادة الإبداع والإيغال في الذاتية لا يستبعدان البعد الكوني للعمل الفنّي، بل لا يكون عمل ما فنّيا إذا كان مجرّد تعبير عن مشاعر وخواطر شخصية خالصة. إنّ الذات المبدعة ليست انطوائية بل هي انفتاح على العالم والتاريخ، والعمل الفنيّ في حقيقته نداء خالد وحرّ للآخرين. من هنا تتأتّى كونية الحكم الجمالي على نحو ما شرحه كانط في كتابه "نقد ملكة الحكم". هكذا يمكننا أن نعتبر أنّ من حقّ العصر الحديث أن يفخر بميلاد النّزعة الفردية على ألاّ تفهم باعتبارها رفضا قطعيا للآخرين، بل إنّ حرّية الفرد في المجال الأخلاقي والسياسي لا معنى لها خارج المجتمع والدّولة. و نحن قد نسيء فهم الوجودية إذا اعتبرناها فلسفة رفض الآخرين. صحيح أنّ الوجودية ذات نزعة فردية لكنّها لا تنكر وجود الآخرين أوّلا ولا تعتبر حرّية الاختيار خاصّة بالفرد في عزلة عن الآخرين، يقول سارتر:" إذ أختار لنفسي فإنّني أختار الإنسان". إنّما الخطر الحقيقي الذي يهدّد حرّية الأفراد في عالمنا المعاصر يأتي من تحويل الحرّية إلى قناع إيديولوجيّ يخفي إرادة السيطرة والهيمنة. فالليبرالية المعاصرة لا" تملك" من الحرّية إلا ّاسما مفرغا من المعنى. إنّها حرّية المستهلك المذلّة حيث يتمّ التحكّم في الأفراد من خلال توجيه رغباتهم نحو أقصى حدّ من الاستهلاك، ولعلّ أشدّ الأمور فضاعة أن يتمّ إخضاع الأفراد والجماعات باسم ديمقراطية مزعومة على مرأى ومسمع العالم كلّه دون أن يخجل الفاعل عمّا يصدر عنه من مغالطات وحيل قد لا تنطلي حتّى على الأغبياء.
يجب التّمييز إذن بين حرّية أصيلة وأخرى مزيفة. بين وجود إنسانيّ أصيل وآخر مغترب. حتّى لا تسقط الإنسانية في العبثية المطلقة ممّا يُنبئ بالكارثة. و على الإنسانية أن تحذر السّقوط في شراك الغربان الناّعقة تلك التي تدّعي أنّ الحرّية قد تحققّت وانتهى التاريخ بانتشار ما يُسمّى النظام العالمي الجديد.
طريق النجاح: نشكر للزميل خالد الكلبوسي على تعاونه.

Publicité
Publicité
Commentaires
PHILOSOPHIE ARABE
  • إن جوهر الكون المتخفي و المنغلق في بادئ الأمر لا يملك القوة الكافية لمقاومة شجاعة المعرفة هيغل ـ دروس في تاريخ الفلسفة ـ
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
Publicité
Publicité